” وأعلموا أن مهمتكم ليست ورقة تنالونها، إنما مهمتكم أمة تحيونها”
*علي الطنطاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدايةً الحمد لله الذي هيأ لكم دخول الطب وحقق رغبتكم فيه ونفع بكم امتكم
قبل أن ابدأ رحلة الحديث عن سنواتي الأولى في الطب،
أشكر الله عز وجل الذي أوصلني لهذه المرحلة فلم أكن لأصل لولا فضله ومنته وكرمه ودعاء والداي الكرام
أهلاً يا رفاق.. أنا طالبة في السنة السادسة من كلية الطب، راودتني فكرة الكتابة عن سنوات الطب الأولى في فترات سابقة ولكن لم أجد لي عزمًا لذلك فركنت هذه الفكرة لأجل غير مسمى؛ ولكن سرعان ما عاودت الفكرة بعدما رأيت الفرصة سانحة أمامي من خلال نافذة “نادي طيبة الطبي
اليوم أنا هنا أكتب لكم عصارة دراسة الطب إن استحسن تسميتها بذلك
عصارة سنواتي الخمس في كلية الطب وما فيها من شد وجذب ومد وجزر وفرح وترح؛ ونصائح وددت ان تصلني عند حاجتي إليها في وقتٍ مضى
اتفهم جيدًا وضع أطباء المستقبل الذين لا زالت اقدامهم في بداية ذلك الطريق ولا يعلمون إلى أي مكان سينتهي بهم وإلى أين؟
كل الذي يعلمونه بإنهم سيمضون في هذه الكلية سبع شداد كما سمِعوا أو قرأوا
سينقطعون عن حياتهم التي اعتادوا عليها على الأقل في العقد السابق من أعمارهم وستكون حياتهم عزلة مع كتب لا يعرف لها نهاية واختبارات ودرجات
!هذا المكان الذي نعته الكثير بانه خط النهاية لحياتك الاجتماعية
!جميع هذه العبارات كانت تتردد على سمعي وعلى أقراني باستمرار وللأسف كانت اغلبها من أهل الشأن
اخبركم الآن وبعد تلك السنون التي أمضيتها هنا وقد قيل اسأل مجرب ولا تسأل طبيب أن معظم ما قيل لي كان هراءً لم يكن يستحق ان يشغل مساحة من تفكيري ولا اريدكم أنتم أيضًا ان تفتحوا المجال لهذه الأقاويل
نعم هناك ضغط، هناك تغير في نمط حياتك اليومي ولا بد من التضحية في بعض الأمور وهذا شيء لا بد منه ولكن ليس بذلك السوء الذي خيل لنا وصدقوني بعد مشيئة الله سيصنع منكم الطب اشخاص تنازلوا عن توافه غرق فيها الكثير من الناس، لأجل تحصيل علم ينفعون الناس به
لا بد من حلم نناضل دونه
ما قيمة الدنيا بلا أحلام
ماذا بعد القبول في كلية الطب؟
تحقق حلم الطفولة وبدأ مشوار الآلف ميل. ماذا بعد؟
:نصائح قبل بدأ السنة الأولى في كلية الطب
في الواقع ليسَ هناك متطلبات إلزامية عليك القيام بها ولكن في هذه الفترة انصح بالعمل جيدًا على رفع مستوى اللغة الإنجليزية، استشارة الأشخاص الذين تتوقع منهم أن يفيدوك في مرحلتك القادمة كطلاب السنة الثانية مثلاً
وإذا كنت تريد أن تهيئ نفسك أكثر لدراسة الطب يمكنك الاطلاع على المصطلحات الطبية المشهورة من خلال مشاهدة فيديوهات او قراءة الكتب المختصة بذلك، هي خطوة ليست إلزامية ولكن ستصنع الفرق بكل تأكيد
:السنة الأولى
في اليوم الاول (التعريفي) في كليتنا استقبلتنا وكيلة الكلية أجمل استقبال وتعرفنا على محاور النظام وكيف سيسير نظام التعليم في هذه السنة
ولكن كانت العقبة الأولى بالنسبة لي هي تهويل النظام المستحدث هنا وتضخيمه بالشكل الذي تظن أن النجاح هنا ضربًا من الخيال وتحقيقه يحتاج إلى معجزة إلهية تنجيك من هذا الكرب! أكاد ان أجرم بأن الأمر لن يكون بهذا السوء الآن.
في هذه السنة أقولها وللأسف بأني نسيت من أنا وغلب خوفي شغفي..لأجل ذلك كان لزامًا أن أسدي إليكم بهذه النصيحة “لا أحد يمكنه تحديد قدراتك ولا طموحاتك غيرك فلا تسمح لكائن من كان أن يثبطك ويكسر مجاديف عزمك!”
هذه السنة اخذت فيها بأسوأ نصيحة وتركت الافضل! كان معظم من حولي – سواءً المنتمين للمجال الطبي ام لا- يَرَوْن بأن النجاح هو المهم، والتفوق متروك لمسألة
الحظ لان الحصول على الدرجة العالية في كلية الطب”معجزة
ومما زاد الأمر سوءًا كانت اراء طلاب السنة الثانية متفاوتة وكنا وأياهم نسبح في فلك الضياع، الامر الذي اجزم انه كان السبب الثاني بعد إعماء عقولنا بأنفسنا حتى أننا اوهمنا أنفسنا بأن الطب ليس بدرجات تقاس ولا يمكن لدرجة اختبار أن تحدد ما إذا كنت ستصبح طبيب ممتاز ام لا
فدخل معظمنا الاختبارات الاولى- والبعض استمر الى الاختبارات الأخيرة بضمان النقص من البداية والدخول فقط بحثًا عن الستر والنجاح! وقاده تفكيره لتّخلي عن طلب الدرجات العلى
تلك الفريضة اخذت مكانها في عقلي لبرهة وأصبحت كمخدر ألجأ إليه اذا اسرفت في أمر الدرجات وتحصيلها!
أعلم أن اغلبكم سيقول نعم لا يمكن لدرجات أن تحدد ما إذا كنت ستصبح طبيب ممتاز او غير ذلك، ووجهة نظري في هذا الموضوع تقول إن النجاح ما هو إلا نتاج اجتهاد وجد متواصلان، ففي أغلب الظروف إذا كان الاجتهاد هو ديدنك فالنجاح حليفك والطبيب الممتاز الآن كان طالب مجتهد في الأمس
“وكلما كان عملك متقنًا كانت نتائجك مذهلة وتذكر “وإن ليس للإنسان الا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى
ومن تراكمات هذه السحابة السوداء التي اجتاحتني أنا ومن انجرف لهذه الأقاويل دخلت في حالة متقدمة من اللامبالاة فتراكمت المحاضرات، وتشتت تفكيري، كنت أكره العودة للمنزل لأني سأعيش امام الكتب وانظر إليها نظر المغشي عليه من الموت فعلى الأقل الأمر في الكلية برفقة الأصدقاء “المحبطّين” يخفف جزءً من لوم النفس وأن هذا الأمر شيء لا بد منه
!سماحي لغيري بأن يحكم علي ويغير قناعاتي بنفسي كانت نتائجها مؤلمة على نفسيًا أكثر من أمر الدرجات والتفوق
ولعلي أخبركم بحجم تأثير ذلك على كنت أجهد نفسي فوق طاقتها في مذاكرة ليست بالطريقة الصحيحة وكثير من التشاؤم والتفكير
ففي اول مادة في كلية الطب في الاختبار النظري النهائي فبعد ما أبليت بلاءً حسنًا كان الأمر كله لله، عدت إلى المنزل ويصحبني آلام في شتى جسدي وصل الأمر الى ذهابي للمشفى وتغيبي عن اختبار العملي النهائي النتيجة: اجهاد عام! وإني لأعوز ذلك كنتاج لتلك السحابة التي عصفت بي
ولكن الله لطيف لمن يشاء شاء ربّي أن تنجلي تلك السحابة ويشرق ضوء الأمل في نفسي من جديد فبعد معيّة الله ولطفه بي قررت أن أعيد حساباتي مع نفسي، و أول تساؤل كان في نفسي ماذا ينقصني لكي اصل لأعلى الدرجات، ماذا ينقصني عن ما سبقني من المتفوقين؟ فكان أول شيء عمدت إلى تغييره هو أنني غيّرت محيطي فابتعدت عن كل المحبطين الذين كلما رأيتهم استذكرت الأيام السوداء التي عشتها بسببهم، وقفت على مسافة واحدة من الجميع أصبحت قليلة التذمر وانشغلت ببناء نفسي وتركت الأمر كله لله وما كان أمامي الا طريق الاجتهاد والاجتهاد فقط، أتذكر حينها ذهبت للمكتبة. واحضرت كتابا التشريح قبل نهاية الترم الأول بأيام قلة ولكن ان تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا اخذت على نفسي عهدًا أن أكون كما اردت يومًا وكان لي ما أردت ولله الحمد
خلاصة الأمر
قارن نفسك اليوم بنفسك أمس وأترك مقارنة نفسك بالآخرين فنحن درجات والظروف شتّى،، لاتتوقعوا بأن أعظم نصيحة هنا ان اخبركم كيف تدرسون ومن أين فشخص وصل لهذه المرحلة يعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف!
بل أعظم نصيحة اريد ان اوصلها إلى كل من يقرأ هو الابتعاد عن جماعة المحبطين فسيدنا عمر بن الخطاب قال: ابتعد عما يؤذيك ولم يقل تحملهم! فلو وصل الامر بأن تكتفي بنفسك عن مخالطتهم فهذا أسلم لك